فصل: الشبهة العاشرة وجوابها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.الشبهة العاشرة وجوابها:

ما رواه الإمام أحمد بسنده عن أبي بن كعب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن» قال فقرأ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ} قال فقرأ فيها: «ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا، ولو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وأن ذات الدين عند الله الحنيفية السمحة غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية، ومن يفعل خيرا فلن يكفره» ورواه الترمذي أيضا وكذلك روي هذا الأثر بزيادات أكثر من هذه.
وللجواب على ذلك نقول:
1- إن هذا الحديث وأمثاله أحاديث لم تشتهر بين نقلة الحديث، وإنما يرغب فيه من يكتبها طلبا للغريب، وما كان كذلك فليس لأحد أن يعترض به على الكتاب الذي حفظ عن رسول الله بالتواتر، إذ هو على تسليم صحته آحاد فلا يعارض القطعي الثابت بالتواتر ولا يثبت به أيضا قرآن.
2- إن هذا الحديث طعن فيه بعض أهل العلم بأنه باطل، ولعل مما يدل على بطلانه أن سورة {لم يكن} بلفظها الذي ورد في المصاحف ثبتت متواترة عن أبي بن كعب وقد قدمنا أن قوله: «لو كان لابن آدم واد من مال...إلخ» ليس بقرآن، وإنما هو حديث نبوي أو قدسي، وكذلك ما زيد في هذه السورة من ألفاظ هو بالبيان والتفسير أشبه منه بالقرآن، إذ ليس عليه شيء من نور القرآن، ولا له إعجازه، ولا ينبغي أن يعزب عن بالنا أن بعض الصحابة كان يقرأ بعض آيات القرآن على سبيل التفسير والبيان كما كان بعضهم- كأبي وابن مسعود- يكتب في مصحفه بعض تفسيرات، وتأويلات، وأدعية، ومأثورات فيظن من يسمعها أو يقف عليها أنها من القرآن، والحق خلاف ذلك؛ قال أبو بكر الأنباري بعد أن ذكر ما روي أن عكرمة قرأ على عاصم {لم يكن} ثلاثين آية هذا فيها قال: هذا باطل عند أهل العلم؛ لأن قراءة ابن كثير وأبي عمرو متصلتان بأبي ابن كعب، لا يقرأ فيها هذا المذكور في {لم يكن} مما هو معروف في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أنه من كلام الرسول عليه السلام لا يحكيه عن رب العالمين في القرآن، وما رواه اثنان معهما الإجماع أثبت مما يحكيه واحد مخالف مذهب الجماعة.
وقال بعض العلماء: والذي يؤكد ما قلناه اتصال قراءة أبي جعفر بابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وغيرهم، وهم قرءوا على أبي بن كعب؛ واتصال قراءة ابن كثير بمجاهد وقراءة مجاهد على ابن عباس، وقراءة ابن عباس على أبيّ، واتصال قراءة أبي عمرو بمجاهد وسعيد بن جبير وهما قرءا على ابن عباس وقرأ ابن عباس على أبي، فهؤلاء الأئمة وأعلام الدين الذين رووا عنهم وحفظوا عليهم نبره ومده وتشديده، فلو كان من قراءة أبي ذلك لقرأه عليهم، ولرووا عنه، وحفظوا عليه، لطول تلك الألفاظ.
وأيضا فقد اضطرب النقل في هذا الأثر، فمن قائل: إنه آية من سورة لم يكن، ومن قائل: آية من سورة تشبه سورة {براءة}، والباطل دائما لجلج، والحق دائما أبلج، وقد وردت هذه القصة في الصحيحين بدون هذه الزيادات ولا شك أن روايات الصحيحين أوثق من غيرها وأولى بالقبول، مما يؤيد أن هذا التخبط المروي باطل.
3- إن ذلك كان قرآنا ثم نسخ ويكون من حمل ذلك عن أبي إنما هو قبل أن ينسخ ثم لما نسخ رجع أبي عنه، وبقوا هم على قراءته لعدم علمهم بالنسخ أما جمهور المسلمين العارفين بأنه نسخ فلم يقرءوا به ولم ينقلوه، وهذا الجواب على سبيل التنزل والتسليم بأنه كان قرآنا، ودون ذلك صعود السماء.

.الشبهة الحادية عشرة وجوابها:

روايات يوهم ظاهرها سقوط شيء من القرآن.
أ- ما روي أن أبيّا كان يقرأ: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26]، ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام.
ب- ما روي أن عمر بن الخطاب قال لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل الله علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة، فإنا لا نجدها، قال أسقطت فيما أسقط من القرآن.
ج- ما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال: كنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات ما نسيناها، غير أني حفظت منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة.
د- ما روي في الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة الذين قتلوا غدرا، قال أنس: ونزل فيهم قرآنا قرأناه حتى رفع أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا.
هـ- ما روي عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن الزبير يقرأ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]، ويستعينون بالله على ما أصابهم.
وما روي عن ابن عباس وأبي أنهما قرءا: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها} من نفسي فكيف أطلعكم عليها.
ز- ما روي عن علي أنه قرأ: {وَالْعَصْرِ * ونوائب الدهر إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ}.
والجواب:
1- إن هذه الروايات أغلبها باطلة لم يصح منها شيء، وإنما هي غرائب ومناكير رواها الذين أولعوا بهما، وليس أدل على بطلانها من رواية: أكاد أخفيها من نفسي، وهل يعقل أن يخفي الله شيئا من نفسه ومن رواية: والعصر ونوائب الدهر، فقد تواتر عن علي رضي الله عنه أنه كان يقرأ بقراءة الجماعة، وهل يعقل أن يدع عليّ شيئا يرى أنه من القرآن، ثم لا يثبته ولاسيما أنه قد آلت إليه الخلافة، وصار صاحب الكلمة النافذة بين المسلمين! إن هذا إلا بهتان مبين.
2- إن هذه الروايات على فرض صحتها تحمل على أن ذلك كان قرآنا، ثم نسخ لفظه وبقي معناه كما تدل على ذلك رواية الصحيحين في أصحاب بئر معونة.
3- إن بعض هذه الروايات محمول على التفسير والتوضيح، ويكون الراوي سمع من يقرؤها مفسرا ومبينا لمعناها فظن أن الكل قرآن، ولعل هذا يظهر في وضوح في الرواية المتعلقة بقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} الآية والرواية المتعلقة بقوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ}.

.رد عام:

وإليك رد عام يرد به على هذه الشبه وعلى غيرها مما أورد على جمع القرآن.
وهو أن المسلمين أجمعوا على أن هذا الذي كتب في المصاحف، وحفظه الألوف عن الألوف، هو القرآن الذي أنزله رب العالمين، على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لا زيادة فيه، ولا نقصان، فمن ادعي زيادة عليه، أو نقصانا فقد أبطل الإجماع، وبهّت جمهور الناس، ورد ما قد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وغير معقول أن نبطل ما أجمع عليه المسلمون بروايات جلها باطل موضوع، وما صح منها فله محامل صحيحة، وليس نصا على ما يزعم الزاعمون، وإن من يزعم أن القرآن نقص منه شيء أو زيد فيه شيء، كمن زعم أن الصلوات المفروضة كانت عشرا فأنقصها المسلمون إلى خمس، أو أنها كانت ثلاثا فصيروها خمسا- سواء بسواء- فإذا صح في العقول شيء من هذا صح ما تقولوه على القرآن.
والله سبحانه- وقد وعد بحفظ كتابه- قد هيأ له من الأسباب الداعية إلى حفظه وصيانته من التحريف والتبديل ما لم يتهيأ لكتاب غيره في الدنيا، وعلى كثرة ما صوبه أعداء الإسلام إلى القرآن من سهام غير صائبة، وتلفيقات مزورة فقد بقي القرآن كالطود الشامخ الذي لا تزحزحه عن مكانه الرياح، والأعاصير، مهما اشتدت، وقد تكسرت على صخرته العاتية كل ما راشوا من سهام، وبيتوا من كيد، وسيبقى هكذا، صلدا، قويا حتى يرث الله الأرض وما عليها، وصدق الله حيث يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} [الحجر: 9]، {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41- 42].

.المبحث الثامن: ترتيب آيات القرآن وسوره:

.الآيات: معناها وفوائد معرفتها وعددها وترتيبها:

.معنى الآية لغة واصطلاحا:

الآية لغة: وردت بمعنى العلامة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية أي: علامة ملكه، وبمعنى الدليل. ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} أي دلائل قدرته، وبمعنى العبرة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} أي عبرة لمن بعدهم، وبمعنى المعجزة، ومنه قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} أي من معجزة واضحة وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ...} إلى غير ذلك من المعاني.
وفي الاصطلاح: جزء من السورة لها مبدأ ونهاية، وآخرها يسمى فاصلة وقيل: طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وعما بعدها، وهذا التعريف غير مانع؛ لدخول السورة فيه، إلا إذا راعينا في التعريف اندراجها في السورة، والمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ظاهرة لأنها علامة على نفسها بانفصالها عما قبلها وما بعدها؛ أو لأن فيها عبرا ودلائل لمن أراد أن يتذكر، أو لأنها بانضمامها إلى غيرها تكون معجزة دالة على صدق الرسول.
وآيات القرآن تختلف طولا وقصرا، وأكثر الآيات الطوال في السور الطوال، وأكثر الآيات القصار في السور القصار، وأطول آية هي آية الدين، وأقصر آية طه، ويس عند من عدهما، وقد تكون الآية مكونة من كلمة واحدة كـ {مُدْهامَّتانِ} [الرحمن: 64] وقد تكون مؤلفة من كلمتين مثل: {وَالضُّحى} وقد تكون من أكثر من ذلك، وهو غالب آيات القرآن، وقال بعض العلماء: ليس في القرآن كلمة واحدة آية إلا {مُدْهامَّتانِ} ومراده مما اتفق على كونه آية بخلاف ما سواها مما هو كلمة واحدة، أو أقصر منها في التلفظ، فإنه ليس بمتفق عليه مثل طه ويس، والحاقة والقارعة.
وقد يطلق اسم الآية ويراد بعضها مجازا وذلك مثل قول ابن عباس: أرجى آية في القرآن {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ} فإنه جزء من آية باتفاق، ووقع إطلاق اسم الآية على أكثر من آية، وذلك مثل قول ابن مسعود: أحكم آية {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وهاتان آيتان باتفاق، ومثل ذلك يرد كثيرا في كلام السلف والخلف، وففي باب المجاز ما يصحح كل ذلك.